سورة فاطر - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فاطر)


        


{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16)}
بياناً لغناه وفيه بلاغة كاملة وبيانها أنه تعالى قال: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} أي ليس إذهابكم موقوفاً إلا على مشيئته بخلاف الشيء المحتاج إليه، فإن المحتاج لا يقول فيه إن يشأ فلان هدم داره وأعدم عقاره، وإنما يقول لولا حاجة السكنى إلى الدار لبعتها أو لولا الافتقار إلى العقار لتركتها، ثم إنه تعالى زاد بيان الاستغناء بقوله: {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} يعني إن كان يتوهم متوهم أن هذا الملك له كمال وعظمة فلو أذهبه لزال ملكه وعظمته فهو قادر بأن يخلق خلقاً جديداً أحسن من هذا وأجمل وأتم وأكمل.


{وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)}
أي الإذهاب والإتيان وهاهنا مسألة: وهي أن لفظ العزيز استعمله الله تعالى تارة في القائم بنفسه حيث قال في حق نفسه: {وَكَانَ الله قَوِيّاً عَزِيزاً} [الأحزاب: 25] وقال في هذه السورة: {إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28] واستعمله في القائم بغيره حيث قال: {وَمَا ذلك عَلَى الله بِعَزِيزٍ} وقال: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [التوبة: 128] فهل هما بمعنى واحد أم بمعنيين؟ فنقول العزيز هو الغالب في اللغة يقال من عزيز أي من غلب سلب، فالله عزيز أي غالب والفعل إذا كان لا يطيقه شخص يقال هو مغلوب بالنسبة إلى ذلك الفعل فقوله: {وَمَا ذلك عَلَى الله بِعَزِيزٍ} أي لا يغلب الله ذلك الفعل بل هو هين على الله وقوله: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} أي يحزنه ويؤذيه كالشغل الغالب.


{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)}
وقوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} متعلق بما قبله، وذلك من حيث إنه تعالى لما بين الحق بالدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة ذكر ما يدعوهم إلى النظر فيه فقال: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} أي لا تحمل نفس ذنب نفس فالنبي صلى الله عليه وسلم لو كان كاذباً في دعائه لكان مذنباً وهو معتقد بأن ذنبه لا تحملونه أنتم فهو يتوقى ويحترز، والله تعالى غير فقير إلى عبادتكم فتفكروا واعلموا أنكم إن ضللتم فلا يحمل أحد عنكم وزركم وليس كما يقول: أكابركم {اتبعوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خطاياكم} [العنكبوت: 12] وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قوله: {وازرة} أي نفس وازرة ولم يقل ولا تزر نفس وزر أخرى ولا جمع بين الموصوف والصفة فلم يقل ولا تزر نفس وازرة وزرة أخرى لفائدة أما الأول: فلأنه لو قال ولا تزر نفس وزر أخرى، لما علم أن كل نفس وازرة مهمومة بهم وزرها متحيرة في أمرها ووجه آخر: وهو أن قول القائل ولا تزر نفس وزر أخرى، قد يجتمع معها أن لا تزر وزراً أصلاً كالمعصوم لا يزر وزر غيره ومع ذلك لا يزر وزراً رأساً فقوله: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ} بين أنها تزر وزرها ولا تزر وزر الغير وأما ترك ذكر الموصوف فلظهور الصفة ولزومها للموصوف.
ثم قال تعالى: {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} إشارة إلى أن أحداً لا يحمل عن أحد شيئاً مبتدئاً ولا بعد السؤال، فإن المحتاج قد يصبر وتقضى حاجته من غير سؤاله، فإذا انتهى الافتقار إلى حد الكمال يحوجه إلى السؤال.
المسألة الثانية: في قوله: {مُثْقَلَةٌ} زيادة بيان لما تقدم من حيث إنه قال أولاً: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} فيظن أن أحداً لا يحمل عن أحد لكون ذلك الواحد قادراً على حمله، كما أن القوي إذا أخذ بيده رمانة أو سفرجلة لا تحمل عنه، وأما إذا كان الحمل ثقيلاً قد يرحم الحامل فيحمل عنه فقال: {مُثْقَلَةٌ} يعني ليس عدم الوزر لعدم كونه محلاً للرحمة بالثقل بل لكون النفس مثقلة ولا يحمل منها شيء.
المسألة الثالثة: زاد في ذلك بقوله: {وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} أي المدعو لو كان ذا قربى لا يحمله وفي الأول كان يمكن أن يقال لا يحمله لعدم تعلقه به كالعدو الذي يرى عدوه تحت ثقل، أو الأجنبي الذي يرى أجنبياً تحت حمل لا يحمل عنه فقال: {وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} أي يحصل جميع المعاني الداعية إلى الحمل من كون النفس وازرة قوية تحتمل وكون الأخرى مثقلة لا يقال كونها قوية قادرة ليس عليها حمل وكونه سائلة داعية فإن السؤال مظنة الرحمة، لو كان المسؤول قريباً فإذن لا يكون التخلف إلا لمانع وهو كون كل نفس تحت حمل ثقيل.
ثم قال تعالى: {إِنَّمَا تُنذِرُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب وَأَقَامُواْ الصلاة} إشارة إلى أن لا إرشاد فوق ما أتيت به، ولم يفدهم، فلا تنذر إنذاراً مفيداً إلا الذين تمتلئ قلوبهم خشية وتتحلى ظواهرهم بالعبادة كقوله: {الذين آمنواْ} إشارة إلى عمل القلب {وَعَمِلُواْ الصالحات} إشارة إلى عمل الظواهر فقوله: {الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب وَأَقَامُواْ الصلاة} في ذلك المعنى، ثم لما بين {أَن لا تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى} بين أن الحسنة تنفع المحسنين.
فقال: {وَمَن تزكى فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ} أي فتزكيته لنفسه.
ثم قال تعالى: {وإلى الله المصير} أي المتزكي إن لم تظهر فائدته عاجلاً فالمصير إلى الله يظهر عنده في يوم اللقاء في دار البقاء، والوازر إن لم تظهر تبعة وزره في الدنيا فهي تظهر في الآخرة إذ المصير إلى الله.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9